يصادف 21 يوليو الذكرى الثلاثين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الصين والسعودية. للعلاقات الثنائية جذور عتيقة راسخة، تقوم وتتطور عليها طوال تاريخها الممتد. تقع مدينة العلا العتيقة في ملتقى طريق الحرير القديم وطريق التوابل، وكان ميناء جدة القديم محطةً هامةً على طريق الحرير البحري، حتى يُسمّوه أحفورةً حيّةً تسجل التاريخ.
شهدت السنوات الأخيرة تطورات مستمرةً في العلاقات الثنائية، على أساس تعزيز الثقة السياسية المتبادلة، ودفع تعاون البلدين في مجالات التجارة والاقتصاد والثقافة بشكل مطّرد، مما يجعل الأمّتين تطوّران العلاقات الثنائية في المسار السريع.
تعزيز الثقة السياسية، تتآزر وتتساند الأمّتين
منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية عام 1990، تظل تتطور بخطوات مستقرة. وقام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة السعودية عام 2016، مؤكدًا تأسيس الشراكة الاستراتيجية الشاملة، الأمر الذي يدل دخول العلاقات الثنائية إلى مرحلة التطور السريع.
أشار السفير الصيني لدى السعودية تشن وي تشينغ، إلى أن الصين والسعودية تظلان تتمسك بمبدئي التعايش السلمي وعدم التدخّل بالشؤون الداخلية والمبادئ الأخرى في تطوير العلاقات الثنائية، وتتآزران وتتساندان فيما يتعلق بالمصلحة المحورية، مع الالتزام بالتعددية والعلاقات الدولية كمبدئين أساسيين في معالجة الشؤون الدولية.
كما أكّد المفوّض الخاص السابق لمسائل الشرق الأوسط وو سي كه، أن الثقة السياسية المتبادلة تشهد ارتقاءً كبيرًا، خصوصًا بعد تأسيس الشراكة الاستراتيجية الشاملة واللجنة المشتركة رفيعة المستوى بين الحكومتين. إن صداقة الحضارتين العريقتين – على حد قوله – لها جذور عتيقة راسخة، تقوم وتتطور عليها طوال تاريخها الممتد، وتتبادلان المساندة أمام المسائل الهامة.
منذ اندلاع وباء كوفيد – 19، تظل تتعاون الصين والسعودية، متآزرتين ومتساندتين في مجابهته. أشار هيثم سعيد، الباحث العلمي لمركز البحوث والتواصل المعرفي السعودي، إلى أن تعاون الأمتين في مكافحة الوباء يستحقّ الإعجاب والثناء، إذ تظلان تضعان أرواح المواطنين في المقام الأول، وهو مبدأ مشترك لهما.
في رأي لي شاو شيان، مدير المعهد الصيني للدول العربية، إن الصين والسعودية تشهدان التعزيز المستمر للثقة السياسية المتبادلة، وتؤيد الصين المملكة العربية السعودية التي تلعب دورًا بنّاءً في معالجة شؤون الشرق الأوسط كدولة هامة في الإقليم، فيما يؤيد الجانب السعودي الصين في الهموم المحورية. وفي هذا السياق، إن تطوير الشراكة الاستراتيجية الشاملة - على حد قوله – يخدم مصلحة الشعبين ويتماشى مع مصالح الإقليم وشعوب العالم.
تحقيق التكامل الاقتصادي لكسب المنفعة المشتركة
كان حجم الأعمال التجارية بين البلدين 500 مليون دولار عند تأسيس العلاقات الدبلوماسية عام 1990، إلا أنه بلغ 78.18 مليار دولار عام 2019، بزيادة قدرها 150 مرةً.
عند التطرّق إلى القفز الكبير في مجال التعاون الاقتصادي والتجاري، أشار لي شاو شيان إلى أن الصين والسعودية شهدتا تكاملًا اقتصاديًا في كثير من الأوساط، بحيث تتجاوبان مع بعضهما إلى حد كبير.
إن الصين أكبر شريك تجاري للسعودية، أما السعوديةفهي أكبر شريك تجاري بالنسبة للصين في آسيا الغربية وإفريقيا. أشار ماجد عوتابة، عضو لجنة التجارة السعودية الصينية، إلى أن كل هذه المنجزات تعود إلى النمو الاقتصادي الملحوظ في الجانب الصيني.
أكد تشن وي تشينغ أن البلدان قد شهدا تعمق التعاون في كثير من المجالات، مثل إنشاء مصفاة تكرير النفط بمنطقة ينبع بين مجموعة سينوبك ومجموعة أرامكو، وتمديد خط السكك الحديدية الخفيفة بمكة المكرمة من قبل مجموعة السكك الحديدية الصينية للإنشاء، وبناء مدينة جازان الاقتصادية بمشاركة المؤسسات الصينية. تظل تقدم المؤسسات الصينية في السعودية مساهمةً مرموقةً في توطين المقومات الصناعية السعودية وإيجاد فرص العمل وتحفيز تنمية كل المجالات.
أشار تشن مو، السكرتير العام لمركز دراسة الخليج بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، إلى أن الصين تتحلى بمزايا تكنولوجية في دفع عدة الصناعات والمشاريع المدرّجة برؤية عام 2030 وخطة المستقبل الجديد، الأمر الذي يمنح فرصًا جديدةً إلى الجانبين الراغبين في توسيع مجالات التعاون الواقعي، في حين أنهما يعملان على دفع التعاون عبر الطرف الثالث في إطار الحزام والطريق.
تجد سياسة توسيع الانفتاح الصينية أصداءً إيجابيةً من قبل الجانب السعودي، إذ أقبلت المؤسسات السعودية على معرض الاستيراد الصيني لدورتي 2018 و2019، بتمور وبحريات وألبان، خصوصا دبس التمر الحلوى الذي أثار إعجاب الجميع.
النقاط اللافتة للنظر في مجال التبادل الثقافي
تمايلت وتعانقت النخلات، وتراقصت الكلمات بالصينية والعربية على الشاشة الواسعة: معرض أكسبو شانغهاي الدولي 2010. هنا أصبحت قاعة المملكة العربية السعودية التي تظهر على هيئة سفينة القمر واحدةً من أكثر القاعات إعجابًا، وتركت انطباعًا قويًا في قلوب الزوار.
أشار تشن وي تشينغ، إلى أن الصين والسعودية خلال السنوات الأخيرة تشهدان التعاون الناجح في مجالات اللغات، والثقافة، والاستفادة المتبادلة من الحضارتين، وحماية المواريث.
في رأي شوي تشينغ قوه، دكتور كلية اللغة العربية لجامعة اللغات الأجنبية بكين نائب المدير للمعهد الصيني للآداب العربية، إن المملكة العربية السعودية دولة ثقافية كبرى في العالم العربي، وتعتزّ بمكانة هامة في مجال التفكير العربي، بحيث يحمل تطوير العلاقات الثقافية بين الصين والسعودية معنى استثنائيًا.
أكّد فو تشي مينغ، نائب المدير لكلية اللغات الأجنبية بجامعة بكين، إلى أن تبادل البلدين في مجال التعليم قد أحرز تقدمًا كبيرًا. نجد الآن تخصص اللغة العربية في حوالي 50 جامعةً ومعهدًا في الصين، فيما قام الجانب السعودي بإدراج تعليم اللغة الصينية بالمناهج التعليمية عام 2019، الأمر الذي يعني أن السعودية في مقدمة الدول العربية التي تدعو إلى تعليم اللغة الصينية.
تشن يو يانغ، نائب الدكتورة بمركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية، استرجعت ذكرياتها الحلوة أثناء زيارة السعودية عام 2019، متطرقةً إلى الفوانيس الحمراء والزهريات الخزفية والعناصر الصينية التي تحتفظ بها الأسر السعودية، حتى أحسّت بتعمق تبادل البلدين يومًا بعد يوم.
أُقيم معرض "الطريق العربي - المكتشفات الأثرية السعودية" في المتحف الوطني الصيني، وتُرجمت "السيرة الذاتية لليو لين" ومجموعة من الكتب باللغة الصينية إلى اللغة العربية. أكد رئيس مركز البحوث والتواصل المعرفي، الدكتور يحيى محمود بن جنيد، أن التبادل الثقافي بني البلدين سوف يتطور على مستوى أعلى في المستقبل القريب.