بمناسبة مرور ثلاثين عامًا على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، نشر السفير الصيني لدى السعودية تشن وي تشينغ 21 يوليومقالةً باسمه على جريدة الوطن، تحت عنوان "لمحات عن العلاقات الدبلوماسية بين الصين والسعودية في 30 عامًا"، مستذكرًا الكثير من المفاصل التاريخيّة الهامة والمُشرقة في العلاقات، والمنجزات الهامة التي حققتها العلاقات الثنائية منذ تأسيسها، مع استشراف آفاق مستقبل الشراكة الاستراتيجية الشاملة. فيما يلي هذه المقالة بالكامل:
أُسست العلاقات الدبلوماسية بين الصين والسعودية 21 يوليو عام 1990، وفتحت صفحةً جديدةً في العلاقات الثنائية. وفي تاريخ البشرية الطويل، لم يكن الشعب الصيني والشعب السعودي يؤسسان العلاقات الدبلوماسية منذ القدم، إلا أنهما بدآ يتواصلان مع بعضهما قبل أكثر من ألفي عام، منطلقين من طريق الحرير الذي فتح أول صفحة في تاريخ التواصل الودّي. خلال حكم أسرة تانغ الملكية وأسرة سونغ الملكية، شهدت الصين والعالم العربي ازدياد أنشطة التبادل، في تشانغآن ولو يانغ وقوانغتسو وجوانتشو، إذ عدد كبير من العرب أتوا للسياحة والتجارة، فيما تابعوا صداقة الأمتين. خلال القرن الخامس عشرين، زار تشنغ خه الملّاح المشهور، جدة والمدينة المنورة والمناطق الأخرى في الدول العربية. دخلت الاختراعات الأربعة الصينية القديمة آسيا الغربية أولًا، ثم القارة الأوروبية. كما دخلت العلوم والثقافة والفنون من العالم العربي والإسلامي الصينَ، مما جعل الحضارتين العظيمتين ناميتين بشكل مزدهر بفضل التواصل والاستفادة المتبادلة.
من قول الكونفوشيوس، عندما يبلغ عمر الرجل ثلاثين، يصبح ناضجًا وراشدًا. مع صروف الدهر واختباراته، تتطور العلاقات الصينية السعودية بسرعة فائقة في كل الأبعاد، شاهدةً الثقة السياسية المتبادلة التي تتعزز يومًا بعد يوم، والتعاون المثمر الذي يتوسع بشكل مطّرد، حتى أصبحت نموذجًا في تطوير العلاقات بين البلدان.
تقوم العلاقات الصينية السعودية على الثقة. منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية، يظل كلا الطرفين يحترم النظام السياسي وطريق التنمية اللذين يختارهما الطرف الآخر، ويضع أكبر همومه ومصلحته في عين الاعتبار، مما يجعل العلاقات الثنائية تتطور على مستوى أعلى. قام الرئيس الصيني آنذاك جيانغ زي مين بزيارة السعودية عام 1999، وتبادل الرئيس الصيني السابق هو جين تاو والملك السعودي آنذاك عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود زيارات خلال عام 2006، وهو أمر حدث لأول مرة في تاريخ علاقات البلدين. عام 2008، قام شي جين بينغ، نائب الرئيس الصيني آنذاك بزيارة السعودية، لتأسيس العلاقات الاستراتيجية الودية بين البلدين، ودفع العلاقات الثنائية إلى مرحلة جديدو. قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة المملكة مجددًا عام 2016، حيث أسست الشراكة الاستراتيجية الشاملة واللجنة المشتركة رفيعة المستوى بين الحكومتين. قام ولي العهد محمد بن سلمان بن عبد العزيز بزيارة الصين في نفس العام، وانعقد أول اجتماع للجنة المشتركة رفيعة المستوى، الأمر الذي دفع العلاقات الصينية السعودية إلى مستوى جديد. قام كل من الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد محمد بن سلمان بن عبد العزيز بزيارة الصين عام 2017 وعام 2019 على التوالي، من أجل تعزيز الثقة السياسية المتبادلة ودفع التعاون في كل المجالات. اُفتتح الاجتماع الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصيني العربي عبر الفيديو بنجاح في مطلع الشهر الجاري، بحضور وزير الخارجية فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود. كما ألقى كلمةً هامةً، أكّد فيها رغبة الجانب السعودي في العمل مع الصين والدول العربية، في ظل مساعي الجميع لبناء المصيرة المشتركة للبشرية، مقترحًا إقامة قمة القادة الصينيين والعرب في السعودية. نشيد بموقف السعودية الإيجابي، متطلعين إلى تحقيق الضالة المنشودة المشتركة مع الجانب السعودي.
وتقوم العلاقات الصينية السعودية على أساس الصداقة المتبادلة بين الشعبين، وتضع في اعتبارنا دائمًا التبرعات والمساعدات الكريمة من أصدقائنا السعوديين بعد الزلزال المدمر الذي ضرب مدينة سيتشوان عام 2008. في مارس عام 2017، تم افتتاح فرع مكتبة الملك عبد العزيز العامة في بكين، وهو أول فرع للمكتبة خارج العالم العربي، وأصبح الربط والجسر للتبادل الثقافي بين البلدين. منذ زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الصين العام الماضي، تتلقى اللغة الصينية ترحيبًا حارًا من قبل الشعب السعودي، وأقابل مزيدًا من الأصدقاء السعوديين في مناسبات مختلفة يتبادلون التحيات معي باللغة الصينية.
في ظل مواجهة العالم لوباء كورونا هذا العام، أجرى فخامة الرئيس شي جين بينغ والملك سلمان مرتين اتصالًا هاتفيًا، مما قاد اتجاه الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والمملكة، وعكس المساعدة المتبادلة بين البلدين، وعبر عن عزم الصين والمملكة على مكافحة الوباء بالتعاون. يدل التاريخ مرارًا وتكرارًا على أن العلاقات الصينية السعودية صداقة لا تهزها الصعوبات، وقلوب الشعبين مرتبطة دائمًا.
وتقوم العلاقات الصينية السعودية على التعاون المثمر. وبدأ التعاون العملي بين الصين والمملكة قبل تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما، وكان رجال الأعمال السعوديون يحضرون معرض كانتون عام 1978. وخلال السنوات الـ30 الماضية، زاد حجم التجارة بين الصين والمملكة بين 500 مليون دولار عام 1990، إلى 78.18 مليار دولار عام 201، بزيادة أكثر من 150 ضعفًا. وتعد المملكة أكبر شريك تجاري للصين في غرب آسيا وإفريقيا، وأكبر مورد للصين النفط الخام، وقد شاركت المملكة في بناء "الحزام والطريق" بنشاط، كما انضمت المملكة إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في عام 2019، وقامت شعرات الشركات الصينية في المملكة، حيث استثمرت أكثر من 2.5 مليار دولار في القطاع غير المالي، مما لعب دورًا نشطًا في تنفيذ رؤية 2030 والتنويع الاقتصادي، وخلق فرص عمل للشعب السعودي. في يناير عام 2016، بدأ تشغيل مصفاة ينبع أرامكو سينوبك ياسرف، التي تمولها شركة سينوبك الصينية وأرامكو السعودية، بحضور فخامة الرئيس شي جين بينغ وجلالة الملك سلمان، وبعد مشروع مترو مكة المكرمة الذي شيّدته شركة بناء السكك الحديدية الصينية كأول مترو في المملكة من أكبر استثمارات الصين في المملكة، وقد حظي بإشادة واسعة من المسلمين في أنحاء العالم لخلو سجله من الحوادث. وستكون مدينة جيزان الاقتصادية التي يشارك في بنائها عدد من الشركات الصينية في مناطق سواحل البحر الأحمر للمملكة.
وتقوم العلاقات الصينية السعودية على الرؤية المشتركة، فكلا البلدين محب للسلام، ونتمسك سويًا بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، للمحافظة معًا على العدالة الدولية. وللبلدين نفوذ دولي مهم، والمملكة الشريك الحميم للصين في تشكيل الاقتصاد الدولي المنفتح والتنمية الإقليمية السلمية وبناء الحزام والطريق، وكلاهما عضو في مجموعة العشرين، ويدعم الجانب الصيني رئاسة المملكة للمجموعة في عام 2020. كما يقدر الجانب الصيني دور المملكة الفعال في تنسيق الجهود الدولية لمكافحة الوباء وتحقيق الاقتصاد العالمي المستقر، وسيدعم الجانب الصيني الجانب السعودي لقوة لإقامة قمة ناجحة لمجموعة العشرين.
الصين والسعودية شريكان متكاملان في شتى المجالات الاقتصادية والصناعية. كما تشارك الشركات الصينية بنشاط في تنمية وبناء السعودية، وللتعاون بين الجانبين آفاق واسعة في البنية التحتية الجديدة والتكنولوجيا الفائقة والذكاء الاصطناعي وغيرها من المجالات، وكلاهما يدعو إلى التعايش السلمي والحوار المتساوي بين الحضارات والأمم والأديان المختلفة، وبناء مجتمع المصير المشترك للبشرية معًا.
يقول العرب إن الصداقة أرض زُرعت بالمحبة وسُقيت بماء المودّة، ومن الأقوال الصينية، الصداقة أثقل من الجبال والأنهار. تقوم العلاقات الصينية السعودية على الاستمرار والاستدامة، وذلك بفضل الرؤية والمصالح المشتركة، بغض النظر عن الوضع الدولي. تنظر الصين إلى المملكة دائمًا كصديق وشريك وأخ عزيز، وستحتضن العلاقات الصينية السعودية مستقبلًا مشرقًا بالتأكيد.
أخيرًا وليس آخر، أتمنى للصين والمملكة ازدهارًا وللصداقة الصينية السعودية استمرارًا إلى الأبد!